مقالات

(( نظام عالمي أُفُقِي .. قادم من الشرق ))

 فتحى ندا 
الخبير الاقتصادي
النظام الإقتصادى العالمى الحالي يُعرف بأنه ≪ نظامٌ رأسي ≫ إذ يتربع الدولار الأمريكي على قمة الهرم فيه ويفرض الهيمنة والتبعية على أغلب دول العالم.
الدولار الذى أصبح عُملة احتياطي عالمية مهمة ضمن مجموعة عملات أخرى بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد أشهَر حرب عُملات في التاريخ تلك التي دارت بين الامبراطورية البريطانية ومستعمراتها في أمريكا أوائل القرن السابع عشر واستمر التوتر بينهما في التزايد إلى أن اندلعت الحرب الثورية عام 1775، ثم صدر الدولار الأمريكي بموجب قانون السك لعام 1972م، وكان الدولار أول الأمر مُعرّفًا بمقياس ثنائي المعدن “الفضة أو الذهب” ثم رُبِط الدولار بالذهب وحده عام 1900م.
ثم حل الدولار الأمريكي محل الجنيه الإسترليني في صدارة عملات الاحتياطي العالمية بموجب اتفاق بريتون وودز (يوليو 1944) قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، ≪اتفاقية بريتون وودز، التي نصت على أن العملة التي تكون مرجع رئيسي لتحديد سعر عملات الدول الأخرى هي العملة المغطاة بالذهب – أي التي تستطيع إستبدالها بقيمتها من الذهب متى شئت – ≫، وبما أن الولايات المتّحدة كانت تمتلك إحتياطاً مهم من ذهب العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد قررت أن يكون سعر الدولار بالذهب هو 35$ للأونصة (31.1 جرام)، وهذا لم يكن في مقدور الدول الأخرى الإلتزام به، وهذا الأمر جعل عدداً كبيراً من الدول تعمل على تكديس الدولارات الأمريكية بهدف استبدالها بالذهب مستقبلًا كاحتياطي، بل صار عدد كبير من هذه الدول يستخدم عملة الدولار كاحتياطي النقد الأجنبي.
ولكن بعد أن خاضت الولايات المتحدة حرب فيتنام <1956م : 1975م> احتاجت إلى المزيد من الدولارات لتغطية تكاليف الحرب ما جعلها تتجاوز بالطباعة حجم الإحتياطى الذهبى المتاح لديها دون علم الدول الأخرى، مما أدى الى فقدان الدولار قيمته من الذهب التي كانت مقررة بإتفاقية بريتون وودز، وعندما بدأ البعض يتجه إلى البنك المركزي لمبادلة أوراق الدولار بالذهب خاصة الرئيس الفرنسي “تشارل ديغول” الذي طالب بتحويل 191 مليون دولار إلى ما يقابلها من الذهب، حصلت أزمة كبرى، لأن الولايات المتّحدة عجزت عن تحويل أي دولارات أمريكية إلى الذهب، وهنا خرج القرار الصادم للعالم من الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الذي أصدر بيان في عام 1971 يلغي فيه التزام الولايات المتّحدة بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب، عرفت لاحقًا باسم Nixon Shock أو صدمة نيكسون.
سبق هذا البيان الصادم بعام واحد تقريبا – بدايات سنة 1970 – إنشاء إتفاق بين مُنتجي النفط أوبك وبين الأدارة الأمريكية نص على: وجوب أستخدام الدولار كعملة أساسية للمبادلات النفطية وأن أي دولة في العالم تريد الحصول على النفط عليها أولا استبدال عملتها بالدولار وأصبح هذا الاساس يعرف بـ “بالبترودولار”.
في العام 1973، وافق العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز، على قبول الدولار كعملة وحيدة لشراء النفط، مقابل تقديم أمريكا الحماية العسكرية لحقول النفط في بلاده. وأقدمت دول “أوبك” الأخرى على تلك الخطوة في 1975، وبالتالي نجحت واشنطن بربط الدولار بالنفط بدلا من الذهب.
المُلاحظ هنا أن الدولار كعملة حصلت على قوتها ومكانتها العالمية تدريجيا عقب أربعة حروب < الحرب العالمية الأولى ثم الثانية وحرب فيتنام وحرب أكتوبر 1973م>، كانت الإدرارة الأمريكية تُحضر مشروعها للهيمنة أثناء الحروب وقبل أن تنتهى الحرب أو بعدها مباشرة تجتمع بالأطراف ويخرج الاتفاق لصالح المشروع الأمريكي للهيمنة على الاقتصاد والقرار السياسى العالميين والذى تحقق لها بإتفاق بريتون وودر يوليو 1944م، واستمرت فى الهيمنة حتى تاريخه بفضل “إتفاق البترودلار” رغم صدمة الغطاء الذهبى وهزيمتها في حرب فيتنام واستخدام البترول كسلاح في حرب أكتوبر 1973م.
على أرض أوكرانيا تدور رحى الحرب الخامسة، والمتوقع أن تُسفِر هذه المرة عن جلوس الدولار على مائدة المفاوضات هزيلا مُستكينا طامعا في ألا يخرج نهائيا من النظام العالمى الجديد ” النظام الأفقى” والذى قام بالتحضير له هذه المرة وقبل قرابة العقدين من الزمان قوى شرقية تتزعمها الصين وروسيا والهند وتحالفت معها دول أخرى كالبرازيل وجنوب إفريقيا فيما يعرف بتحالف “بريكس” الإقتصادى ثم أبدت الرغبة في الإنضمام لهذا التحالف وتُشاركهُم الفكر دول أخرى عديدة ضاقت زرعا بالهيمنة الأمريكية وظلمها.
هو نظام يشار اليه بأنه ” نظام أفقى” أى ليس فيه قمة يتربع عليها أحد ولاقاعدة من دول تُنهَب ثرواتها عيانا جهارا ولاتَملِك سوى إنتظار التعليمات والإملاءات والمعونات وإلا تُفرض عليها العقوبات وتُشن ضدها الحروب ويُقتل أو يُعدم قادتها ، العلاقة بين أعضاء هذا النظام الأفقى القادم من الشرق تخلوا من الوصاية أو الهيمنة لأى دولة على باقى الدول، الأساس في التعامل هو التعددية والتعاون والتكامل القائم على أساس الندية والعدالة، ويسعى الى التنمية الاقتصادية والإجتماعية لجميع الدول.
هل نشهد قريبا نهاية القطب الأوحد عالميا؟ هل نشهد نظاما عالميا عادلاً ينعم فيه الجميع بالحرية والإستقلال وينعم بثمار التنمية وقطف ثمار إستغلال ثرواته الطبيعية بتعاون شركاء عادلين غير مُستعمِرين ولا مُستغلِين؟ ….. الإجابة بيد الزمان …..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى