مقالات
من أفسد الذوق
بقلم الدكتور أحمد الطباخ
لعل من دروس رمضان ، وممن كان من أجله فريضة الصيام ، وسائر العبادات التي شرعها لنا ديينا هو تربية الذوق لدي الإنسان بداية من تلمسه للبحث عن كل ما جميل في الكون ، والتامل فيه ، وتعود النظر علي تنميته علي الدوام ، فالمتأمل لخلق الله في إبداع الخالق لما خلق من سماء رفعها ، وأبدعها ، وزينها رب العالمين للناظرين ، وأرض بسطها في جمال ليس له مثيل ، حيث بحار وأنهار وأشجار وجبال ، وكل ذلك بنسق بديع يعجز عن وصفه من أوتي جوامع البيان ، وخيل وبغال ، وإبل خلقها الله علي تنوع يثير التأمل الذي يفضي إلي الاعتراف والاقرار ببديع صنع الله ، بل خلق الإنسان علي أجمل صورة ، وأروعها كل ذلك يجعل الإنسان يعلي من قيم الجمال ، بل في اختلاف الناس ما بين أبيض وأسود وأحمر ، واختلاف الألسن ، وطريقة البيان دليل علي بديع ما خلق الله ، ونزول القرآن ، وما حمل من بلاغة وجمال ، ونغم تناغم مع كون الله وما فيه من طير تصدع بجميل الايقاع ، كل ذلك زعيم بأن يعلي من قيم الجمال.
لكن الإنسان بما وقع فيه من جرم ، وما اقترف من إثم حول كل جميل ، يتعامل معه إلي صورة مشوهة ، ومنظر قبيح فلم يعد للذوق ما كان له من قبل نتيجة لتربية فقدت تنمية الأذواق ، والإعلاء من قيمته فأضحي الناس يفسدون ولا يصلحون ، ويدمرون ولا يبنون ، ويخربون ولا يعمرون ، فوجدناهم يعملون معوال الهدم لكل ما هو جميل من سلوك وخلق ؛ ليحل محل ذلك ألفاظ تخترق أسماع الناس من ألفاظ سوقية مبتذلة ، وقفشات للضحك تدخل البيوت دون استئذان عن طريق فن بدلا من أن يسهم في تنمية الذوق السليم يقوم بإفساد أذواق الناس عن طريق ما يصور من سلوك مشين ، ومناظر ممقوتة لا يمكن أن تقبلها طباع سوية ، ناهيك عما في شوارعنا من عشوائية في كل شئ ليس فيه أي مظهر جمالي ، يجعل الناس يسمون بأذواقهم ، ويعتنون بها ، وإنما لا تجد إلا كتلا خراسنية ، لا تحمل طرازا هندسيا روعي فيه لمسة جمالية ، أو شكلا فنيا خلا من المساحات الخضراء ، والتنظيم البديع الذي يعين الناس علي لفت انتباههم إلي مراعاة الذوق .
أما عن الفن وما جلب من دمار ، وإفساد لأذواق الناس فحدث ولا حرج ، فالحديث عن ذلك ذو شجون ، فإن أردت الحديث عن الاسفاف في الحديث والمشاهد ، فقل عن ذلك ما قال مالك عن الخمر ، حيث ألفاظ سوقية أفسدت أجيال وحلت محل الطيب من القول ، حيث شاعت بين شبابنا لغة جديدة أثرت في ذواق أجيال الشباب الذي فسد ذوقه فلم يسمع إلا كل فاسد ، ولم ير إلا كل قبيل ، وأما عن مشاهد البذاءة والنذالة فإن الكيل قد فاض ، وكل قبيح هو ما يقدم من صور تسئ إلي شوارعنا بلادنا ، فلا نظافة نري ، ولا تنظيم نشاهد ، ولا إبداع فني يقدم ، فلم يعد الإبداع الفني كما كان من قبل شعرا وقصة ورواية ومسرحية وصحافة ، وإنما غثاء لا يسمن ولا يغني ، ولا ينفع ولا يسهم في ايجاد أجيال من هواة الذوق الرفيع الذي يبدعون ابداعا ، يجعل من الأوطان ساحة للعمل الجاد.