مقالات
فجر الاتحاد العربي
محمد يوسف سويدان
استاذ الأدب الانكليزي
سوريا – طرطوس .
تتعرض البلدان العربية ، في هذه المرحلة الحاسمة ، من التاريخ العربي الحديث ، الى
هجمة شرسة من الدول الكبرى والاقليمية ،
لتقاسم النفوذ ، ونهب ثروات الوطن العربي ، والسيطرة على موقعه الإستراتيجي الذي يتوسط القارات الثلاث .
بدأت كل دولة توسع نفوذها وتبني امجادها القديمة . إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل . الدولة الفارسية من طهران إلى البحر المتوسط . تركيا ، الخلافة العثمانية
بعباءة جديدة . روسيا ، التحالف مع أيران ، الوصول إلى المياه الدافئة ، تحويل سوريا إلى قاعدة جوية وبحرية ، لمواجهة حلف الناتو .
إمريكا ، بريطانيا ، فرنسا . تأجيج الصراع بين المذاهب الإسلامية ، تحقيق قيام دولة
اسرائيل الكبرى ، إضعاف الوجود العربي في منطقة الشرط الأوسط . الاستيلاء على النفط والغاز ، السيطرة على المنافذ البحرية العربية . البحر الأحمر ، الخليج العربي ، البحر المتوسط.
من أجل ان تحقق هذه الدول أحلامها التاريخية التوسعية ، اعترض سبيلها ، جدار عربي صلب وعقبة كأداء . لذا يجب تحطيم هذا الجدار ، وتهديم هذه العقبة . يعني إزالة العرب من هذه المنطقة ، وطمس معالم التاريخ العربي من خلال سياسة التغيير الديموغرافي.
تهجير السكان . بث الأيديولوجيا الدينية المتطرفة في فلسطين ، ليبيا ، اليمن ، العراق بلاد الشام . الصراع يقترب الآن من دول مجلس التعاون الخليجي .
تأجيج الصراعات ، الاثنية ، الطائفية والتفرقة العنصرية . نشر التنظيمات الدينية ، الإرهابية المتطرفة ، والعصابات المسلحة .
كل هذه العوامل الهدامة ، تؤدي إلى إضعاف العنصر العربي ، نزع الشعور القومي والوطني ، سيطرة هذه الدول والعصابات المرتزقة ، على مقاليد الحكم في معظم البلدان العربية . مما دفع الشباب المتعلم ، الخبرات العلمية ، المصانع ، إلى الهجرة خارج الوطن . أصبح أكثر من نصف السكان في مخيمات اللجوء ، والغالبية الساحقة تحت خط
الفقر . يموتون من العطش والجوع ، في مخيم الركبان والهول ، وغيرها من مخيمات اللجوء في الدول المجاورة ، بالاضافة الى الأزمات الاقتصادية الحادة ، التي تناولت كل جوانب الحياة العامة والخاصة .
وسط هذه الأجواء الملبدة بالغيوم السوداء ، وعدم مبادرة القيادات العربية ، لإنقاذ الشعب من الإبادة والموت تحت أقدام الغزاة ، من الدول الإقليمية ، والاستعمارية ، الغربية والشرقية .
كان لابد لجماهير الشعب الواعية ، والطبقات الاجتماعية المثقفة ، حتى البورجوازية منها ، ذات الثراء الواسع ، المنتشرة في الخليج والحواضر العربية ، ودول المهجر . أن تبادر الى إنقاذ الشعب العربي ، من التغيير الديموغرافي ، والتمييز العنصري والطائفي ، والقتل على الهوية .
– كما أشرنا أعلاه ، حول أوروبا في المنتصف الثاني للقرن التاسع عشر . حيث قامت البورجوازية ، بتمويل حركات التقدم ، التي انطلقت خلال تلك الفترة الحاسمة من تاريخ أوروبا الحديث .
لتحقيق هذه المبادرة ، لابد من اقامة جبهة عريضة منظمة ، من رجال الفكر والعلم والسياسة ، وقوى الشعب المختلفة . يقودون هذه الجماهير التي تتوق إلى الحرية . لطرد الغزاة الأجانب وإسقاط الاستبداد والطغيان وغطرسة الديكتاتورية العربية .
ان النضال من أجل الحقوق السياسية لهذه الشعوب ، التي تتعرض للاضطهاد واقتلاعها من الجذور ، من الأرض التي عاشت على ترابها آلاف السنين . ليست بالمسألة
العابرة . انها بمثابة صراع تاريخي ، من أجل البقاء ، واستمرار الحياة ، في هذه البقعة الجغرافية من العالم .
أن وجود القوات الأجنبية على ارض الوطن العربي ، التي بنت ، قواعدا لها من
خلال نشر المذاهب الدينية المتطرفة والنعرات الطائفية ، الاثنية ، والقبلية . تهدف
وأخيرا ، إلى إضعاف الشعور القومي ، الانتماء إلى الوطن . واستبداله بالانتماء الطائفي ، وحماية الدول الأجنبية .
لابد من إزاحة هذه القوات ومقاومة وجودها . بعد أن استفحل خطرها وثبتت أقدامها كالأخطبوط . كما فعلت الصهيونية في فلسطين ، بطرح نظرية ، فلسطين وطن قومي لليهود ، ولا مكان للعرب في أرض الميعاد ، كما ورد في العهد القديم .
ان السبيل الوحيد للحفاظ على الوجود العربي في هذه الأرض ودحر الغزاة ، وافشال مخططاتهم الفاشية . هو تطوير عمل جامعة
العربية الى كيان الاتحاد العربي ، المماثل لصيغة الاتحاد الأوروبي . كطريق لبناء المستقبل العربي المنشود .
لقد برهنت أحداث التاريخ العربي القديم والمعاصر ، صحة فكرة بناء كيان عربي ، يجمع شمل العرب ويوحد صفوفهم . عندما يتحد العرب تجدهم يحققون النصر على
اعدائهم . مثال ذلك ، عندما اتحدوا ، تمكنوا من دحر الصليبيين في معركة ” حطين ” ، بقيادة صلاح الدين الأيوبي ، وتحرير بيت المقدس وبلاد الشام ، وطرد الأعداء من الوطن العربي إلى غير رجعة . كما اتحدوا في معركة
” عين جالوت ” الحاسمة . بقيادة سيف الدين قطز ، لوقف زحف التتار والمغول إلى مصر والمغرب العربي .
على عكس الاتحاد ، عندما يتفرق العرب يواجهون الفشل ومرارة الهزيمة . مثال ذلك ، حرب فلسطين عام ١٩٤٨ ، وحرب النكسة عام ١٩٦٧ .
لم يعد باستطاعة الكيانات الصغيرة أن تحمي حدودها وتدافع عن وجودها ، لذا ظهرت التكتلات الكبيرة في العصر الحديث ، على الساحة العالمية . تشكل فيما بينها اتحادا قويا من عدة دول . الولايات المتحدة ، الاتحاد الروسي ، الاتحاد الأوروبي ، الاتحاد الأفريقي .
تحولت هذه الدول التي اتحدت فيما بينها ، باستثناء الاتحاد الأخير . إلى قوى عظمى
ودول استعمارية . تسيطر على العالم الثالث . تتقاسم النفوذ والمصالح . كانت الدول العربية المتفرقة ، الضعيفة ، في مقدمة المناطق التي استولت عليها الدول الغربية والإقليمية . مثال ذلك ، سوريا تعرضت لغزو هذه الدول ، تم تهجير ١٥ مليون مواطن ، أصبح ٩٠ % من تعداد السكان تحت خط الفقر . هذه المأساة تنطبق على اليمن ، ليبيا ، لبنان العراق ، والسودان .
نتيجة لتفاقم الأوضاع ، لم تجد الشعوب العربية ، مفرا أمامها إلا اللجوء إلى صيغة الاتحاد العربي ، بعد أن غدا ضرورة حتمية تفرضها مصالح الوطن الكبير ومصالح كل قطر
على حدة . أن الأمن الوطني لكل قطر عربي ، مهما كان كبيرا بالمساحة وعدد السكان ، كجمهورية مصر العربية ، يرتبط بالأمن القومي
لكامل الأمة . ان السيادة الوطنية لكل دولة ، هي جزءا لا يتجزأ من السيادة القومية لكامل شعوب المنطقة .
أن الاتحاد العربي الذي تتطلع إليه الجماهير ، هو الذي يجمع كل مكونات الشعوب الموجودة على الأرض العربية ، من مختلف القوميات والأديان التي ينتمون إليها . أنهم شركاء أساسيين في هذا الوطن في الماضي والحاضر
يحافظ الاتحاد ، على حقوقهم القومية ، ومقدساتهم الدينية . هذا ما حدث في تاريخ الدولة العربية ، سواء في صدر الإسلام ، العصر الاموي ، العصر الأندلسي ، اوالعصر العباسي .
أن قيام الاتحاد العربي ، يمثل ضربة قاصمة للكيان الصهيوني في فلسطين . سوف يصابون بالإحباط والصدمة ، وهم يشاهدون بأم أعينهم ، كيانا عربيا كبيرا قادرا على على تبني القضية الفلسطينية ، ومدها بأسباب القوة والنجاح ، مما يمهد الطريق لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .
الخاتمة ، أن تطوير عمل جامعة الدول العربية إلى كيان ” الاتحاد العربي ” الجديد . هو الأمل الوحيد الذي تصبوا الجماهير العربية إلى تحقيقه ، من الخليج إلى المحيط .
ان فجر الاتحاد العربي ، بدأ يطل على الوطن العربي ، براياته الخفاقة . بعد قرون من
الانتظار الطويل .
الخاتمة ، فاجأ القادة العرب العالم ، في الغرب والشرق . أعلنوا ساعة الصفر . لقيام دولة الاتحاد العربي العظيم . وانقاذ العرب
من التنين القادم ، والغرق في أمواج البحر العاتية . . .
” ياشعوب الوطن العربي اتحدوا ”
……………….