مقالات
الكتابة كشرط للإنعقاد والإثبات.
دكتور محمد عويان المحامي .
بادي ذي بدء يتبين من مطالعة نصوص القانون المدني المصري رقم 131لسنة1948والمعمول به حاليا تناوله العقود في الكتاب الثاني”العقود المسماه”عقود تقع على الملكية (عقد البيع –المقايضة –الهبة –الشركة -القرض والدخل الدائم – الصلح) – عقود واردة على الانتفاع بالشئ (الايجار–العارية) – عقود ترد على العمل (المقاولة والتزام المرافق العامة – العمل – الوكالة –الوديعة – الحراسة)-عقود الغرر(المقامرة والرهان – المرتب مدى الحياة – التأمين) –الكفالة.
لكن في ظل التطورات الإقتصادية الهائلة وعمليات التنمية المستدامة ومتطلبات سوق العمل وسرعة التداول للعمليات التجارية المتبادلة وحركة الإنتاج ظهرت العديد من المصطلحات لمفاهيم التعاقد مثل التعاقد الإلكتروني وعقد الشير تايم وغيرها.
وحتى لا يمل قارئ مقالنا نكتفي ببيان لبعض من العقود التي تستلزم الكتابة شرط لإثباتها وأخري لم تتطلب لزوم الكتابة لكونها رضائية فعقد البيع عقد رضائي فلم يشترط القانون شكلًا خاصًا لانعقاده، وكذلك عقد الإيجار, العمل , المقاولة , السمسرة , ومعظم العقود تقوم على الرضائية لكونها المبدأ الأصيل في إبرامها.
أما عن عقد اﻟﴩﻛﺔ (اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ) فالقانون يتطلب ﻓﻴـﻪ ﺷـﻜﻠﻴﺔ ﺧﺎﺻـﺔ، وﻫـﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑـﺔ وتخلف هذه اﻟﺸﻜﻠﻴﺔ يترتب ﻋﻠﻴﻪ العديد ﻣﻦ اﻷﺣﻜﺎم واﻟﺘﻲ ﻣﻦ أﳘﻬﺎ اﻟﺒﻄﻼن.
وبما أن العقود المسماه والواردة بنص القانون والذي حددا عما إذا كانت الكتابة شرطا للإنعقاد أم للإثبات فما حكم العقود التي لم يتضمنها النص القانوني, فماذا عن شكلية العقد الالكتروني الذي يعدّ من أهم مواضيع التجارة الالكترونية. والشكلية في العقد تعني اتباع إجراءات معينة حتى يُعدّ التصرف صحيحاً منتجاً لآثاره وبالتالي تكون ركن لانعقاد العقد . وعلى الرغم من ان معظم فقهاء القانون يرون ان رسالة البيانات التي يتم تبادل الإرادة بها في مجال العقود الالكترونية تعدّ من مظاهر الشكلية في إبرام العقود كون ان هذه الرسائل عادة ما تحتوي على كتابة تعبر عن إرادة المتعاقدين ويمكن قراءتها عن طريق الآلة. كما يمكن الاحتفاظ بها لمدة قد تفوق بكثير المدة التي تحفظها السندات الورقية حتى يمكن الرجوع اليها وقت الحاجة وهو ما ذهب اليه جانب من الفقه الفرنسي في تفسيره للمادة 1316 من القانون المدني الفرنسي. الذي فسر مفهوم الكتابة في هذه المادة تفسيراً موسعاً حيث شمل الى جانب الكتابة كشرط إثبات التصرفات القانونية الكتابة المشترطة لصحتها. لكن ما كان يقصد بمضمون هذه المادة هو مسالة الرسمية أي إمكانية توثيق هذه الإرادة. لكن على الرغم من إمكانية توثيق الإرادة الالكترونية لم نلمس جانب الرسمية في ابدائِها كونها توثق عن طريق توقيع أطرافها دون حاجة الى طرف ثالث يضع عليها توقيعه وختمه. وتعني الشكلية أيضاً الكتابة التي يشترطها القانون لإثبات التصرفات القانونية أي ان عدم اتباع الإجراءات القانونية المنصوص عليها قانوناً لابرامها لا تمس بصحتها بل يعتبر صحيحاً ومنتجاً لكل آثاره لكن في حالة نشوب نزاع بين أطرافه فإنه يشترط لإثبات الواقعة القانونية وجود دليل وهذا الأخير يجب أن يحمل شكلاً قانونياً معيناً – سنداً مكتوباً – وموقعاً من قبل موظف عام مكلف بتوثيقها قانونا. وهو ما دعاني لتناول مقالي هذا في مجال المعاملات الالكترونية حيث تتم كل العقود في عالم افتراضي لامادي تنعدم فيه الدعائم الماديه الورقية فما هو مدى توافر الخدمة ومدى حجية الشهادة التي تقدمها للمتعاملين الالكترونيين. فالإثبات هو السبيل الوحيد لضمان أمن وسلامة الحق والدفاع عنه امام القضاء وهو ما دفع العديد من المنظمات الدولية والاقليمية الى إصدار قوانين تنظم هذا الفضاء خاصة ما يعنى بالمجال التجاري. ومن بين هذه القوانين الدولية التي أسهمت في نمو التجارة الالكترونية قانون الاونستيرال النموذجي بشأن التجارة الالكترونية الذي اعتمدته لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للأمم المتحدة عام 1996 وعلى المستوى الاقليمي نجد التوجيه الأوربي الذي صدر عن المجلس الأوربي عام 1999 الخاص بالتوقيع الالكتروني. اقتداء بجهود المنظمات الدولية استلهمت مختلف قوانين الدول الغربية والعربية أحكامها من هذين القانونين – قانون الاونستيرال النموذجي والتوجيه الأوروبي حيث هناك من قامت بإصدار قوانين جديدة خاصة بالتجارة الالكترونية أو احد مجالاتها خاصة ما يتعلق بالسندات الالكترونية حيث ان معظم القوانين المعاصرة قد اعترفت لها بالحجية القانونية ومنحت لها نفس القيمة التي هي للسندات الورقية. اعترفت جل القوانين إن لم نقل كلها – بالكتابة الالكترونية كوسيلة إثبات جديدة دخلت ميدان الإثبات كما أن الفقه أول من دعا للاعتراف لها بالحجية ثم تلاه جهود القضاء وأخيراً حظيت باعتراف قانوني وأصبحت تزاحم وسائل الإثبات العادية خاصة بعد أن ساوت القوانين بينها وبين السندات التقليدية من حيث القيمة القانونية. وبذلك فإن الكتابة الالكترونية حسب القوانين الدولية والداخلية تعتبر وسيلة إثبات وليس وسيلة تعاقد وهذا في انتظار تطور تكنولوجي أكثر يسمح من اعتماد هذه الكتابة كوسيلة تعاقد لكن هذا لن يتحقق الا بتوفير أمن قانوني وتقني أكبر لهذه المعاملات يفوق تقنيتي التشفير والتوثيق الالكتروني. “جزء منقول عن الكتابة الإلكترونية ضمن المقال للأمانة العلمية”.