نساء في بيت النبوة ” السيدة فاطمة الزهراء “
كتبت هالة الحداد
السيدة فاطمةالزهراء ، أصغر بنات النبي، وأحبهم إلى قلبه.
أمها السيدة خديجة – رضي الله عنها- وكانت تسمى أم أبيها؛ لحبها ورعايتها لأبيها، وهي زوجة سيدنا علي – رضي الله عنه- وأم سِبطي رسول الله الحسن والحسين – رضي الله عنهما- وهي سيدة نساء أهل الجنة.
وُلِدت رضي الله عنها وأرضاها قبل بعثة المصطفى بخمس سنين، في العام الذي اختلفت فيه قريش على وضع الحجر الأسود فى مكانه من الكعبة فوضعه رسول الله، تربت بين أحضان والديها، وعاشت في كنفهما.
هي الابنة الرابعة لرسول الله من السيدة خديجة بعد زينب ورقية وأم كلثوم رضي الله عنهن جميعا.
ولما بعث النبي عانت معه ومع عائلتها بطش وتكذيب قريش، ودخلت مع أبويها شِعب أبي طالب، حيث عاشت هناك حصارا منهكا سنين عديدة، ثم خرجت من الحصار لتشهد موت أمها رضي الله عنها، فتولت رعاية والدها مع أخواتها، وعاشت أما لأبيها ترعاه وتخفف عنه أذى قريش، وقد أخرج البخارى: أن عقبة بن أبي معيط جاء بسلا(أمعاء)جزورٍ فوضعه على ظهر رسول الله، فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة – رضي الله عنها – فرفعته، ودعت على من صنع ذلك، عند ذلك رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وقال: ” اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأُبيّ بن خلف”
هجرتها 🌸
لما هاجر رسول-صلى الله عليه وسلم – أرسل زيدا ليأتي بأهله، فخرجت معه السيدة فاطمة، وأختها أم كلثوم، ومعهما سودة بنت زمعة زوجة رسول الله مهاجرات إلى المدينة المنورة.
زواجها 🌸🌸🌸
لما بلغت مبلغ الزواج، تقدم لخطبتها أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فردهما الرسول بقول جميل، ثم تقدم علي -رضي الله عنه- لخطبتها وكانت في الثامنة عشرة من عمرها تقريبا، وكان علي في الثانية والعشرين.
يقول علي كرم الله وجهه:
دخلت على رسول الله وكانت له جلالة وهيبة، فلما قعدت بين يديه أفحمت، فوالله ما أستطيع أن أتكلم فقال: “ما جاء بك، ألك حاجة؟!” فسكتُ
فقال: ” لعلك جئت تخطب فاطمة؟”
قلت: نعم
قال: “وهل عندك من شيء تستحلها به؟”
فقلت: لا والله يا رسول الله
فقال : “ما فعلت بالدرع التي أعطيتك يوم بدر ؟”
فقلت: عندي، والذي نفس علي بيده إنها لحطمية ما ثمنها أربعمائة درهم
قال: ” قد زوجتك، فابعث بها، وكانت صداق بنت رسول الله.
فأمره الرسول أن يبيع الدرع ليجهز العروس بثمنها، وباعها بأربعمائة درهم، فدفع بالمبلغ للرسول صداقا لفاطمة وتمت الخطبة، ثم تزوج علي فاطمة وبنى بها في محرم السنة الثانية من الهجرة، وأولم عليها فذبح كبشا أهداه إياه سعد بن عبادة رضي الله عنه، ولما كان البناء قال رسول الله لعلي: لا تحدثن شيئا حتى تلقاني، فدعا رسول الله بماء فتوضأ منه ثم أفرغ على علي وفاطمة رضي الله عنهما وقال: ” اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في نسلهما “
وفي رواية أنه – صلى الله عليه وسلم- قال لابنته: “يا فاطمة، أما إني ما آليت أن أنكحتك خير أهلي”
حياتها 🌸🌸🌸
وقد عاشت معه رضي الله عنها تعمل في بيتها ليس لها خادم، يقول عليّ بن أبى طالب رضي الله عنه: لقد تزوجت فاطمة وما لي ولها غير جلد كبش ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح بالنهار، وما لي ولها خادم غيرها.
لم تكن حياة السيدة فاطمة رضي الله عنها في بيت زوجها مترفة ولا ناعمة بل كانت أقرب إلى أن توصف بالتقشف والخشونة لأن عليا رضي الله عنه لم يكن ذا حظ من مال موروث أو مكتسب وأبوه –على عظم مكانته- كان قليل المال، كثير العيال.
وقد دخلت رضي الله عنها بيت الزوجية لا بالفراش الوثير، وإنما بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف، ورحاءين، وسقاءين، وجرتين، وشيء من العطر والطيب، وكانت رضي الله عنها تعمل بيدها بالرحى، تطحن الحَب، حتى أثرت في يدها، وتنظف بيتها بنفسها، وتخدم زوجها وقدض أثر ذلك عليها.
فيُروى أن رسول الله قد فتح الله عليه وجاءته غنائم وسبايا في إحدى الغزوات، فطلب منها علي أن تسأل رسول الله خادما من السبي فأتت النبي فقال: “ما جاء بك، وما حاجتك؟!”
قالت: جئت لأسلم عليك، فأرخى عليها الحياء ستارا فلم تطلب منه شيئا، وعادت
فقال لها علي: ما فعلت
قالت: استحييت أن أسأله فرجعت
فقاما وانطلقا إلى رسول الله، وشكيا له حالهما، وطلبا أن يهب لهما خادما فقال لهما النبي: “والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم” وانصرفا شاكرين راضيين بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم.
ثم أتاهما رسول الله وقد تغطيا بقطيفة لهما، إذا غطيا رأسيهما بدت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما، انكشفت رأساهما، فهبَّا للقاء الرسول فابتدرهما قائلا: ” مكانكما “
وقال لهما: ” ألا أخبركما بخير مما سألتماني”
فأجابا: بلى يا رسول الله
قال: ” كلمات علمنيهن جبريل؛ تسبحان دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان عشرا، وتكبران عشرا، وإذا أويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثا وثلاثين، وتحمدان ثلاثا وثلاثين، وتكبران ثلاثا وثلاثين” ثم ودعهما ومضى، فما زالت فاطمة وعلي رضي الله عنهما يواظبان على ترديدهما طوال حياتهما.
ويروى أنه قد حدث بينهما – رضي الله عنهما- خلاف مما يحدث بين الزوجين، فأصلح بينهما وكان قد دخل عليهما باسر الوجه، وخرج – صلى الله عليه وسلم- وقد امتلأ وجهه بِشرا فقيل له: يا رسول الله دخلت وأنت على حال، وخرجت ونحن نرى البِشر في وجهك فقال: ” وما يمنعني وقد أصلحت بين أحب أثنين إليَّ”
روي أن عليا رضي الله عنه خطب بنت أبي جهل، فقد جاء بنو هاشم بن المغيرة-أبو جهل-يستأذنون رسول الله أن ينكحوا ابنتهم لزوج ابنته علي بن أبي طالب، وكان قد خطبها منهم، فلم يأذن وقال
على المنبر: ” إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوا أن ينكحوا ابنتهم عليا بن أبي طالب فلا آذن لهم، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم؛ فإنما ابنتي فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها ” رواه مسلم.
وفي رواية أنه صلى الله عليه و سلم قال: ” أما بعد، فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني، فصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وأنا أكره أن يفتنوها، وإنها والله لا تجتمع ابنة رسول الله، وابنة عدو الله عند رجل واحد أبدا ” رواه مسلم
فترك علي هذه الخطبة
واسترضى زوجته وقال لها: والله لا آتي شيئا تكرهينه أبدا.
،*في_غزوة_أحد
وفي غزوة أحد خرجت السيدة فاطمة مع نساء المسلمين لمداواة الجرحى وسقايتهم، ولما رأت رسول الله وقد انكسرت رباعيته وسال الدم على وجهه الشريف، جرت عليه واعتنقته، أخذت تمسح الدم من على وجهه الشريف، ولما وجدته لا يتوقف حرقت حصيرا ومنعت به الدم فامتنع، وأخذ رسول الله يقول: “أشتد غضب الله على قوم أدموا وجه رسولهم وهو يدعوهم إلى الله”
*أولادها
وقد ولدت رضي الله لعلي ريحانتي رسول الله “الحسن والحسين” رضي الله عنهما سيدا شباب أهل الجنة، وقد سماهما رسول الله الحسن والحسين، ونحر رسول الله لكل واحد منهما كبشا وصنع لهما العقيقة، وفي العام الخامس من الهجرة ولدت رضي الله عنها ابنتها زينب ثم ولدت أم كلثوم رضي الله عنهم جميعا.
ولما أنزل الله تعالى قوله: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فاطمة وعلي والحسن والحسين وقال: “اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ” قالها ثلاثا.
وكانت _رضي الله عنها_ تشبه والدها عليه الصلاة والسلام، فعن السيدة عائشة _ رضي الله عنها_: جاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله فقام إليها وقال: ” مرحبا بابنتي”
وعن السيدة عائشة _رضي الله عنها_ أيضا قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها وكذلك كانت هي تصنع به.
وعندما مرض النبي مرضه الأخير الذي توفي فيه، كانت _رضي الله عنها_ إلى جواره ملازمة له، ووقت احتضار النبي دخلت عليه وقد ألم به المرض فحزنت وقالت: واكرب أبتاه!
فقال رسول الله: ” لا كرب على أبيك بعد اليوم” ثم كلمها في أذنها فبكت ثم أسر إليها أخرى فضحكت
فعن عائشة – رضي الله عنها- قالت: كنا أزواج النبي اجتمعنا عنده، فلم يغادر منهن واحدة، فجاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله، فلما رآها رحب بها وقال: ” مرحبا بابنتي ” ثم أقعدها عن يمينه أو عن يساره ثم سارَّها فبكت ثم سارَّها الثانية فضحكت،
فلما قامت قلت لها: خصك رسول الله بالسر وأنت تبكين، عزمت عليك بما لي عليك من حق لما أخبرتني مم ضحكت ومم بكيت؟
قالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله. فلما توفي قلت لها: عزمت عليك لما لي عليك من حق لما أخبرتني
قالت: أما الآن فنعم، في المرة الأولى حدثني: ” أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة وأنه عارضني العام في هذه السنة مرتين وأني لا أحسب ذلك إلا عند اقتراب أجلي، فاتقي الله واصبري فنِعم السلف لك أنا وأنت أسرع أهلي بي لحوقا ” فبكيت، فلما رأى جزعي، قال: ” أما ترضين أن تكونى سيدة نساء العالمين أو سيدة نساء هذه الأمة” فضحكت.
*لما مات رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بكته بكاءً شديدا وقالت يومها: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه، في جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه” وما شوهدت بعد ذلك ضاحكة حتى توفاها الله تعالى.
ولما دفن أقبلت فاطمة – رضي الله عنها- على أنس بن مالك فقالت: يا أنس، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله.
( وفاتها )
وكانت _رضي الله عنها_ أقرب أهل بيت رسول الله لحاقا به كما بشرها، فقد توفيت رضوان الله عليها بعد وفاة المصطفى عليه الصلاة والسلام بستة أشهر، في العام الحادي عشر من الهجرة.
فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها
قَالَتْ:
” عَاشَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَدُفِنَتْ لَيْلاً.”
وَصَلَّى عَلَيْهَا العَبَّاسُ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا هُوَ وَعَلِيٌّ وَالفَضْلُ رضي الله عنهم.
وعَنِ أُمِّ جَعْفَرٍ:
أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: إِنِّي أَسْتَقْبِحُ مَا يُصْنَعُ بِالنِّسَاءِ، يُطْرَحُ عَلَى المَرْأَةِ الثَّوْبُ، فَيَصِفُهَا.
قَالَت أسماء رضي الله عنها: يَا ابْنَةَ رَسُوْلِ اللهِ، أَلاَ أُرِيْكِ شَيْئاً رَأَيْتُهُ بِالحَبَشَةِ؟
فَدَعَتْ بِجَرَائِد (جريد النخل) رَطْبَةٍ، فَحَنَتْهَا، ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثَوْباً.
فَقَالَتْ فَاطِمَة رضي الله عنهُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ! إِذَا مِتُّ فَغَسِّلِيْنِي أَنْتِ وَعَلِيٌّ، وَلاَ يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ عَلَيَّ…
وهذا لحيائها الشديد وخجلها أن تُكشف على أحد.
رضي الله عن السيدة فاطمة أم أبيها وعن آل بيته أجمعين إلى يوم الدين .
#الأهرام_الآن