ادب وثقافه وفن
كلمة ونص
الأستاذ عيدان آل بشارة
بغداد – العراق
29 نوفمبر 2024 م
الحضور:
كل ما يجمع بين الزمان والمكان والغاية هو حضور.
يقال إن المعلم كان حاضراً!! أي بالزمان والمكان لتحقيق التعليم.
ويقال إن الموظف كان حاضراً!! أي بالزمان والمكان لتسيير الأعمال الوظيفية.
ويقال إن الإمام كان حاضراً!! أي بالزمان والمكان لأداء الخطبة أو الإمامة.
كل شيء نعيشه هو حضور.
حتى هذه اللحظة التي يتكرم بها القارئ ليقرأ، فهي حضور.
العمل والإنتاج هو حضور.
تربية الأبناء وسعادة الأسرة هو حضور.
استمرارية الحياة بكل التفاصيل هو حضور.
استشعار العبادات لا يتكامل إلا بالحضور.
حتى الحروب والتدمير لابد من الشر والشرور من حضور.
وبذلك فإن تواجد الشخص في مكان ما يسمى بالحضور.
يقولون: إذا حضر الماء، بطل التيمم!!
فلسفة عميقة لهذا الحضور!! فالماء مخلوق قابل للحضور، ومنه وفيه يزكى كل شيء!! طهارة الأبدان لملاقاة الخالق تبدأ من الماء!! ما أعظم هذه الطهارة حينما يكون لها ثوب بديل هو التيمم!! شرع جميل ينورنا بأن العبادات دائمة الحضور.
كذلك الطبيعة، جملتها الأنهار وأحاطتها البحور!! لتعيش الأحياء وهي تغور.. لتعرض خدماتها على الإنسان وتأكيد الحضور.
نرفع الأكف دعاءً.. استشعاراً بأن الله يرانا ويسمعنا لأنه دائم الحضور.
فالحضور نعمة منّ الله بها علينا لتعيش الناس بسرور.
(كل شيءٍ هالك إلا وجهه).. وبذلك لا خوف، لأن الله الذي اصطنع الإنسان لنفسه دائم الحضور.
أما بعد
أقوال لا مأثورة تهلك الحرث والنسل يتداولها البعض في قتل شخصية الإنسان حتى يصاب بالعزلة..
فلان (إذا حضر لا يُعد.. وإذا غاب لا يُفتقد)!! غريب هذا القول!!
ما مصير الأقرب إلى فلان من عائلته أو خاصته وهم على مسمع ومرأى من قسوة الذي حرر هذا القول لينطبق على أبيهم أو أخيهم أو بنيهم؟!!
ما مصير الرعية التي بمسؤولية هذا الراعي فلان حينما يكون مقصوداً بالإهمال حتى ينسحب هذا السلوك غير اللائق على رعيته من أسرته أو مجتمعه أو شعبه، ومن ثم التحجيم وحرمانه من علاقات الجوار أو العلاقات الدولية؟
من هنا ستتأكد الأنانية المجتمعية بعيداً عن أخلاق حسن الجوار أو التمثيل الدبلوماسي.
مما جاء أعلاه..
لابد من التفعيل…
فالصناعة البشرية مهما كانت دقتها وجودتها فإنها خاضعة للسيطرة النوعية حتى تكتسب التسويق.
بينما الصناعة الإلهية غير خاضعة لأي اختبار!! حتى أمر الله سبحانه الملائكة بالسجود لصنيعه الإنسان، الذي في مكنونه طاقة كامنة فعالة حين التفعيل، والتي بدأها سبحانه بنفسه حينما علم بالقلم… وما أعظمه من تفعيل.
فلا تحاربوا النفس بل قوّموها لتؤمنوا بأن حضورها لابد أن يُعَد! وغيابها لابد أن يُفتقد! حتى لا نجني على أنفسنا أو غيرنا بالإهمال ونحرم الجميع من البناء المجتمعي – الإنساني.