ادب وثقافه وفن
حديثُ الورود
حكمت نايف خولي
في حديقةِ الأزهارِ حوضٌ مخصَّصٌ للورود
ورودٌ من كلِّ الأشكالِ والألوان
وفي وسطِ الحوضِ كانت هناك وردةٌ حمراء
ترفعُ رأسها بشموخٍ وكبرياء
أحسستُ وكأنَّها ملكةٌ بين وصيفاتِها
كانت تحيطُ بها وريداتٌ متعدِّدةُ الألوان
كانت تحني رؤوسَها لها بطاعةٍ وخشوع
اقتربتُ منها قليلاً أدهشني صوتُ همساتٍ وهسهسات
لم أفهم شيئاً مما كان يدورُ بينها من أحاديث
فجأةً لمحتُ وردةً صفراءَ في جانبٍ من الحوض
شعرتُ كأنها تهمُّ أن تسرَّ ليَ شيئاً
اقتربتُ منها قليلاً وسألتها ما بك يا صديقتي
هل عندك ما تبوحين به إليَّ ؟؟؟
فانطلقتْ بحديثٍ طويلٍ قائلةً
أراكَ تنظرُ إلينا كأنَّنا خارج دائرةِ الحياة
لا نحسُّ …لا نحبُّ … لا نتألَّمُ …لا نتكلَّمُ
هذه مشكلتكم أنتم أيُّها البشر عميتْ عيونكم
عن رؤيةِ الحياة خارجَ أنفسكم
لا أحاسيسَ ..لا مشاعر ..لا تواصل إلاَّ بين البشر
هذه مصيبتكم الكبرى خطؤكم الفادح
لكن أنت يا شاعري يا من تغوصُ روحُك إلى
أعماقِ الكون تنصهرُ وتذوبُ بروح الوجود
تنفذُ بصيرتُك عبر حدودِ وتخومِ الجمادِ وتعرف أنَّ روحَ الحياة
المبثوثةِ في الكون هي نفسها التي توجدُ في كلِّ الكائنات الحية
انطلاقاً من النباتاتِ صعوداً إلى الإنسان
هي قوةُ الحياة التي نفخَها الله في الوجود
بعد أن أوجدهُ من العدمِ وأحياه بعد الجمود
أتمنَّى يا شاعري لو تصدِّقُ أنَّنا نحتفلُ اليوم
بزفافِ ملكتِنا الوردة الحمراء لو أنَّك تأتي بعد قليل
لكنتَ تشاهدُ حضورَ عريسها بزفةٍ وعراضة
هنا استشاطتْ نفسي غضباً وقلت لها
كيف تتجرَّئين وتسوِّي نفسك وكل الكائناتِ بنا نحن البشر
ضحكت الوردة وهي تقول :أنت مغرورٌ أيها الإنسان
أنت تولدُ كما أولد تتغذَّى مثلي من أملاح الأرض
فتنمو وتكبرُ مثلي ثمَّ تموتُ كما أذبلُ وأموتُ
أنت من أملاحِ الأرض مثلي ثمَّ تعود إليها كما أعود
لما التكبُّر والشموخُ والغرور
إذا كان اللهُ ميَّزك بنعمةِ العقل فقد استخدمتَ عقلك لأذيَّةِ
الطبيعةِ وتخريبِها وتشويه جمالياتها وليتك اكتفيت بذلك
فقد شوَّهتَ نفسك ودمَّرت كلَّ جميل في الطبيعة البشرية
حتى أصبحتْ صورةً كربونيةً للشرِّ
وأراك تسيرُ في طريق تدمير كلِّ شيء وتدمير الحياة
منحك اللهُ السيادةَ على الطبيعة ولكن بغرورِك وجهلك
أسأتَ استعمال هذه السيادة وتخَّيلتَ نفسك قادراً على كل شيء وتناسيتَ أنك
مخلوقٌ كباقي المخلوقات وحتى نعمة العقل
التي ميَّزك الله بها انقلبتْ عندك إلى نقمة وشر
أنظرْ إلى الطبيعة بعيداً عن وجودك تأملْ كم هي جميلة ورائعة
تتجلَّى فيها البراءةُ الطيبةُ والفطرةُ البسيطةُ الوديعةُ
ثمَّ أنظرْ إلى مجتمعك الإنساني الذي تفاخرُ وتتباهى به
ألا يخيفك ويُذهلك ما تراه فيه من شرٍّ وفساد وحقد وضغائن ؟؟
أتتصور أنَّك تجد في الغابة وبين الوحوش الضارية مثيلاً لهذه الفظائع ؟
كفاك غروراً وانتفاخاً أيها الإنسان
أنت خنتَ الأمانةَ التي أودعها الله فيك
جعلك سيداً للكون فانقلبتَ إلى شيطانٍ تدمِّرُ نفسك والكون
منحك الله العقلَ فأحلتَه الى نقمةٍ
منحك الروحَ الطاهرةَ النقية الخالدة فجعلتها بفعالِك مليئةً بالرَّجاسة
والعفونة والشرِّ ومحشوةً بأشنع الرذائل والنقائص
نحن نحبكم أيها البشر بنقاوة الحب وعفَّته ووداعته
ننصحكم لو تعودوا لنقاءِ الفطرةِ وبراءةِ الطبيعة التي أوجدكم الله عليها
عودوا إلى الله وتعلَّموأ من الطبيعة خصالها وصفاتِها